العنف الأسري في إدلب.. دائرة خوف تدفع الأطفال إلى الانطواء وفقدان الثقة
إدلب – هيومن فويس – نور بري
يتحوّل العنف الأسري ضد الأطفال إلى دائرة مغلقة من الخوف والاضطراب النفسي، تاركًا آثارًا عميقة قد تستمر لسنوات. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون البيت مصدر أمان وطمأنينة، يجد كثير من الأطفال أنفسهم محاصرين بالعنف اللفظي والجسدي من قبل ذويهم، ما يدفعهم إلى الانطواء وفقدان الثقة بالآخرين.
الأخصائية النفسية آلاء، العاملة في مجال الصحة النفسية، أوضحت لـ”هيومن فويس” أن العنف الأسري لا يقتصر على الضرب أو الإهانة المباشرة، بل يترك جروحًا عاطفية عميقة في شخصية الطفل:
“الكثير من الحالات التي نتابعها تعاني من القلق والاكتئاب، إضافة إلى مشكلات في التواصل الاجتماعي والشعور المستمر بالدونية.”
ويقول المعلم يوسف:
“هناك أطفال يلاحظ عليهم الخجل الشديد أو الخوف، وبعضهم يظل صامتًا ومنعزلًا عن رفاقه، لا يقترب منهم ولا يشاركهم اللعب. وعندما أحاول التحدث معهم، يبدأ بعضهم بالبكاء أو الانفعال.”
أما المدرب إياد، المختص في مجال حماية الطفل، فأشار إلى أن الظاهرة باتت مقلقة في المجتمع، خصوصًا مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بعض الأهل لتفريغ توترهم على أطفالهم، محذرًا من أن هذه السلوكيات تهدد البنية الاجتماعية وتنعكس سلبًا على مستقبل الأجيال.
من جانبها، تروي أم محمد، وهي أم لثلاثة أطفال من ريف إدلب (مدينة الدانا)، تجربتها بقولها:
“كنت أصرخ كثيرًا على أولادي وأحيانًا أضربهم عندما أغضب أو أتشاجر مع والدهم. لاحظت لاحقًا أنهم أصبحوا يخافون مني، يخفون عني أمورهم، ويضعون أيديهم على وجوههم إذا ناديتهم خوفًا من الضرب. حينها شعرت بالذنب وحاولت تغيير أسلوبي بعدما نصحتني أختي بالتعامل معهم بلطف.”
ويرى مختصون أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة يسودها العنف غالبًا ما يواجهون صعوبات لاحقًا في بناء علاقات مستقرة، وقد ينقلون هذه السلوكيات إلى أسرهم المستقبلية. ومع غياب برامج الدعم النفسي والاجتماعي في العديد من المناطق السورية، يبقى الأطفال عرضة لتجارب قاسية تحد من إمكاناتهم، ما يستدعي جهودًا أكبر من المؤسسات لتوعية الأهل بخطورة العنف، والعمل على توفير بدائل تربوية أكثر إنسانية وأمانًا.