معضمية الشام.. الخاصرة الجنوبية الغربية لدمشق
هيومن فويس- ديما بلال
تعد معضمية الشام ثاني مدينة في ركب الثورة السورية بعد درعا، وتقع على بعد 6 كم فقط من مركز العاصمة دمشق. اسمها يعود للملك المعظم عيسى بن أيوب، كما عُرفت قديمًا بـ”معضمية الشيح” لكثرة عشبة الشيح في جبالها، التي كان الأهالي يبيعونها في أسواق دمشق.
الموقع والطبيعة الجغرافية
إداريًا، تتبع معضمية الشام لمنطقة داريا لكنها مستقلة عنها، وتمتد على سهل واسع بين جبال دمر ومدينتي داريا وجديدة عرطوز، بارتفاع 750م عن سطح البحر. مساحتها 44 ألف دونم، لكن النظام استولى على 85% من أراضيها، وتحيط بها مرتفعات جبلية أبرزها جبل عنتر (1234م) وجبل خاشن (1093م).
النشأة والتاريخ المحلي
تشكلت المدينة من هجرة سكان القرى الجبلية مثل الحناضر وغرابة إلى السهل قرب نهر الأعوج. يروي الأهالي أن زلزالًا دمّر التجمعات القديمة، ما دفع الناس للنزوح إلى الأراضي السهلية الخصبة. تاريخيًا، كانت الأراضي إقطاعات للقادة العثمانيين، ولا تزال بعض الأسماء القديمة حاضرة مثل “زقاق أبو عراج”.
المعالم والمقامات
رغم فقرها باللقى الأثرية، تضم المدينة عدة مقامات دينية، منها مقام يُنسب للصحابي عبد الرحمن بن عوف، ومقام الجندلي، وآخر يُعرف باسم “ستي زينه” أو “سيدي زين العابدين” بحسب اختلاف الروايات. الجامع الكبير هو أقدم مساجدها، يليه الجامع العمري الذي يعود بناؤه لأكثر من قرن.
السكان والنسيج الاجتماعي
ارتفع عدد سكانها من 10 آلاف عام 1960 إلى نحو 100 ألف في 2007، وتنوع سكانها بين أهاليها الأصليين، وفلسطينيين، وعراقيين، ونازحين من الجولان، إضافة لأسر من دمشق هربت من غلاء المعيشة. بعض أحيائها، مثل الشرقي والشمالي، كانت تضم عناصر وضباطًا من النظام.
الزراعة والخدمات
اشتهرت معضمية الشام بالزيتون والأشجار المثمرة واليانسون، لكن معظم الأراضي الزراعية تقلصت مع الزمن. يرويها فرع من نهر الأعوج، وتحتوي على مدارس ومساجد كثيرة ونسبة عالية من الجامعيين. كما كانت تضم منطقة صناعية غربية وفرت فرص عمل عديدة قبل تدميرها.
البداية النضالية
تاريخيًا، قصفها الفرنسيون إبان الانتداب، ما خلف 15 شهيدًا. ومع انطلاق الثورة السورية، خرجت أولى مظاهراتها في 12 آذار 2011 نصرة لدرعا. رغم إحاطتها بترسانة عسكرية، تصاعدت الاحتجاجات لتتحول لاحقًا إلى مواجهة مسلحة بعد قمع النظام وارتفاع عدد الشهداء.
القمع والمجازر
شهدت المدينة اقتحامات متكررة خلفت نحو 150 شهيدًا بطرق مروعة، منها الذبح والحرق. وثقت فرق محلية أكثر من 2017 شهيد، بينهم مجهولو الهوية دُفنوا في مقابر جماعية. كما استخدم النظام السيارات المفخخة لترويع السكان، تزامنًا مع الحصار والتجويع.
الحصار والهجوم الكيميائي
في 2013 فرض النظام حصارًا خانقًا دفع الأهالي لأكل أوراق الشجر. وفي 21 آب 2013 تعرضت المدينة لقصف بغاز السارين أسفر عن 85 شهيدًا. لاحقًا، أُبرم اتفاق في 2014 يقضي بتسليم السلاح الثقيل مقابل ممر إنساني، لكن النظام لم يلتزم، وشدد الحصار.
الانفصال عن داريا
سعى النظام للفصل بين المعضمية وداريا عبر القصف المكثف، خاصة أثناء مفاوضات جنيف، مستخدمًا البراميل المتفجرة ومحاولات الاقتحام. ورغم الصمود، ازدادت المعاناة الإنسانية حتى لجأ النظام لسياسة التهجير القسري لتغيير ديموغرافية المدينة.
التهجير القسري
في 19 تشرين الأول 2016، تم ترحيل نحو 2900 شخص قسرًا، بينهم 700 مقاتل معارض، إلى إدلب بعد حصار استمر ثلاث سنوات. لكن بقيت المدينة حاضرة في ذاكرة أهلها، يرددون أن “كل زيتونة ستنجب طفلًا، ومحال أن ينتهي الزيتون”.
فجر التحرير
في 8 كانون الأول 2025، بزغ فجر التحرير وعادت الحياة إلى معضمية الشام بلون مختلف. ومع كل زيتونة باقية، يبقى ذكر الشهداء حيًا يرقب ميلاد مستقبل جديد للمدينة.