في عفرين.. تقديم طعام العزاء بين العادة والعبء
هيومن فويس – عفرين – سوزانا أحمد
في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي ترزح تحتها معظم العائلات في مدينة عفرين وريفها، تتصاعد الدعوات المطالبة بإلغاء عادة تقديم الطعام في بيوت العزاء، بعدما تحولت من طقس اجتماعي موروث إلى عبء مادي ومعنوي يثقل كاهل أهل المتوفى، ويجبر بعضهم على التضحية بممتلكاتهم أو الاستدانة لمجرد مواكبة التقاليد.
ورغم أن هذه العادة متجذرة في ثقافة المنطقة وكانت في السابق تعبيراً عن المواساة والتكافل، حيث كان الجيران والأقارب يتكفلون بتحضير الطعام دعماً لأهل المتوفى، إلا أن الواقع تغيّر اليوم، وبات العبء كاملاً على عاتق العائلة المفجوعة، في وقت هم فيه أحوج إلى من يخفف عنهم لا أن يضيف إلى همومهم أعباء جديدة.
يقول الأستاذ ياسر قرعا، الذي يطلق باستمرار دعوات عبر منصات التواصل لإلغاء هذه العادة:
“من غير المعقول أن يضطر البعض لبيع قطعة أرض أو الاستدانة فقط من أجل تقديم الطعام في العزاء. الهدف من العزاء هو المواساة، وهناك عائلات فقيرة بالكاد تؤمّن قوت يومها، فكيف يُطلب منها إنفاق مئات الآلاف على الولائم؟”
وتتوسع هذه الدعوات لتشمل أيضاً تنظيم أوقات العزاء، بحيث تُحدد بساعات معينة تخفف من إرهاق أهل المتوفى وتمنحهم قدراً من الخصوصية والراحة.
أما أم محمد، وهي من أهالي المنطقة، فتقول لـ”هيومن فويس”:
“نحن بحاجة إلى مراجعة عاداتنا بما يتناسب مع واقعنا. لا أحد يريد إهانة تقاليدنا، لكن علينا أن نحافظ على جوهرها الطيب دون تحميل الناس ما لا طاقة لهم به.”
في المقابل، لا يزال جزء من المجتمع متمسكاً بهذه العادة، ويرى أن إلغاءها يعد خروجاً عن الأصول أو “قلة واجب”، رغم أن شريحة واسعة باتت تؤيد تعديلها أو التخلي عنها نهائياً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. ويقترح البعض أنه إذا أراد أهل المتوفى إنفاق مبلغ مالي، فليكن صدقة جارية على روحه تُقدّم للفقراء والمحتاجين، معتبرين أن ذلك أنفع وأكرم.
التغيير، كما يؤكد المؤيدون لهذه الدعوات، لا يعني القطيعة مع الماضي، بل تطوير العادات لتلائم الحاضر، وهو ضرورة أخلاقية ومجتمعية للحفاظ على كرامة الناس وراحتهم في لحظات الحزن.