تراجع زراعة الذرة الصفراء في الحسكة: أزمة تؤثر على الأمن الغذائي والتنمية
الحسكة – هيومن فويس – رنيم الأحمد
لم تعد زراعة الذرة الصفراء في محافظة الحسكة كما كانت سابقًا، إذ شكّلت لعقود أحد الأعمدة الأساسية للزراعة المحلية، لكنها اليوم تواجه تراجعًا كبيرًا في مساحاتها المزروعة وإنتاجها، مما انعكس بشكل مباشر على الأمن الغذائي والإنتاج الحيواني، وأثر على التنمية الاقتصادية للمجتمعات الريفية.
الذرة الصفراء: محصول حيوي يتراجع
تُعد الذرة الصفراء محصولًا استراتيجيًا في الحسكة، فهي تشكل مصدر دخل رئيسي للمزارعين، وتُستخدم في إنتاج الأعلاف الضرورية لتربية المواشي والدواجن، بالإضافة إلى دخولها في صناعات مختلفة مثل الزيوت والنشاء. كما أنها توفر فرص عمل موسمية تُسهم في تحريك السوق المحلي.
رغم أهميتها، شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في مساحات زراعة الذرة، وسط تحديات عديدة أبرزها:
- ارتفاع تكاليف الزراعة، بما فيها البذور والأسمدة.
- ندرة مياه الري بسبب انخفاض منسوب المياه الجوفية.
- غياب الدعم الزراعي من الجهات المسؤولة.
تحديات الزراعة والإنتاج
زراعة الذرة تبدأ عادة في شهري نيسان وأيار، لكن بسبب قلة الأمطار، يعتمد المزارعون على الري من الآبار. ومع انخفاض منسوب المياه وارتفاع أسعار المازوت، أصبحت عملية الري مكلفة للغاية.
يقول “أبو أحمد”، مزارع من ريف القامشلي:
“الذرة تحتاج متابعة دقيقة. نعتمد على الري من الآبار، لكن تكاليف تشغيل المضخات أصبحت غير محتملة بسبب ارتفاع أسعار المازوت. رغم ذلك، الطلب على الذرة لا يزال كبيرًا، خاصة من مربي الدواجن.”
عملية الحصاد، التي تتم عادة في شهري أيلول وتشرين الأول باستخدام آلات خاصة، تواجه بدورها تحديات تسويقية، حيث يشتكي المزارعون من غياب مراكز شراء رسمية أو تسعير عادل للمحصول.
ارتفاع التكاليف وأثره على الزراعة
من أبرز أسباب عزوف المزارعين عن زراعة الذرة الصفراء:
- ارتفاع أسعار البذور والأسمدة: سعر كيس بذار الذرة (15 كغ) تجاوز 150 ألف ليرة سورية، بينما وصل سعر كيس سماد اليوريا إلى 450 ألف ليرة.
- تكلفة الري الباهظة: لتر المازوت الحر تجاوز 4500 ليرة، مما رفع تكاليف ري الهكتار الواحد إلى حوالي مليوني ليرة في الموسم.
- انخفاض سعر الشراء: سعر السوق الحالي للذرة لا يتجاوز 2200 ليرة للكيلو، في حين أن كلفة الإنتاج تتطلب سعرًا لا يقل عن 3000 ليرة.
“أبو خالد”، أحد المزارعين من ريف الحسكة الجنوبي، يقول:
“كنا نحصل على البذار والسماد بأسعار مدعومة، لكن اليوم توقف كل شيء. حتى سعر الشراء لا يغطي التكاليف، لذلك توقفت عن زراعة الذرة واتجهت لمحاصيل أقل كلفة.”
أثر التراجع على الأمن الغذائي والتنمية
تراجع زراعة الذرة الصفراء أدى إلى سلسلة من الآثار السلبية التي طالت مختلف القطاعات:
- ارتفاع أسعار الأعلاف: أدى إلى زيادة تكاليف تربية المواشي والدواجن، وانعكس ذلك على إنتاج الحليب واللحوم، مما رفع أسعارها وأثّر على قدرة العائلات على تأمين الغذاء.
- زيادة التبعية للخارج: الاعتماد على الأعلاف المستوردة لسد العجز المحلي زاد من التبعية للأسواق الخارجية، وخلق حالة من عدم الاستقرار في ظل تقلب الأسعار وصعوبة النقل.
- هجرة المزارعين: انخفاض دخل المزارعين دفع الكثير منهم إلى هجرة الريف نحو المدن أو خارج البلاد بحثًا عن مصادر دخل بديلة، مما يهدد مستقبل الزراعة ويُضعف استقرار المجتمعات الريفية.
نحو حلول مستدامة
لإنقاذ زراعة الذرة في الحسكة، يجب اتخاذ خطوات جدية تشمل:
- تقديم دعم حكومي للمزارعين على شكل بذور وأسمدة بأسعار مدعومة.
- توفير مصادر مياه ري بديلة ودعم الوقود المستخدم في تشغيل المضخات.
- وضع خطط تسويقية محلية تضمن شراء المحصول بأسعار عادلة.
إنقاذ هذا المحصول الحيوي لن يُسهم فقط في تحسين الأمن الغذائي، بل سيعزز من استقرار المجتمعات الريفية ويُعيد الأمل لقطاع الزراعة في المنطقة.