هيومن فويس- الحسكة- رنيم الأحمد
في خيمة متواضعة داخل مخيم “النوروز” بمدينة المالكية بريف الحسكة، تعيش حورية خلف محيمد مع طفلها الوحيد، وسط ظروف قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، الخيمة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، لتزيد من معاناة أسرة نزحت من ناحية تل تمر بحثًا عن الأمان، فوجدت نفسها عالقة بين العجز والإهمال.
منذ ولادة طفلها عبد الرحمن ياسين عبد القادر، لم تعرف حورية طعم الراحة. وُلد عبد الرحمن وهو مصاب بخلل في تطور العمود الفقري يُعرف طبيًا بـ”السنسنة المشقوقة” (Spina Bifida)، وهي حالة تسببت له بشلل نصفي دائم، منعه من الوقوف أو المشي منذ أيامه الأولى، يعيش عبد الرحمن اليوم في السادسة من عمره، غير قادر على الحركة، ويعتمد كليًا على والدته في أدق تفاصيل حياته، بدءًا من التنقل إلى دورة المياه، وصولًا إلى مراجعة النقطة الطبية التي تفتقر للتجهيزات والكوادر.
تقول حورية: “منذ عامه الأول نعرف أنه بحاجة إلى جلسات علاج فيزيائي، لكن لا توجد مراكز متخصصة هنا، ولا نملك القدرة على نقله إلى أماكن أخرى”.
ورغم صعوبة الواقع، نجحت الأم مؤخرًا في الحصول على كرسي متحرك لطفلها بعد محاولات طويلة، لكنه لم يكن كافيًا لتخفيف الأعباء النفسية أو الجسدية عنها.
لا يملك عبد الرحمن من الطفولة سوى دفتر رسم صغير، يصوّر فيه أطفالًا يمشون ويلعبون، بينما يرسم نفسه جالسًا دائمًا. تقول حورية: “سألني يومًا: لماذا لا أمشي مثل الأطفال الآخرين؟ لم أجد جوابًا لا يوجد طبيب نفسي، ولا مختص يساعده على تقبّل وضعه”.
معاناة حورية لا تقتصر على ابنها فقط، فهي تعاني من مشكلات مزمنة في القلب والعين، وقد أُوصيت بإجراء قثطرة قلبية، لكنها تراجعت عن إجرائها خشية ترك طفلها دون رعاية، خاصة في ظل غياب معيل حقيقي، فزوجها أيضًا مريض بالقلب ولا يستطيع مساعدتها.
أما الدعم الإنساني، فشبه غائب. “سجلنا اسمه لدى أكثر من جمعية، وقالوا إنهم سيعاينون حالته… لكن لم يحدث شيء حتى الآن”، تقول حورية بنبرة يغلبها الأسى، “لم يطلب سوى أن يمشي مثل باقي الأطفال، وأنا لا أملك له سوى دموعي”.
الحفاظات التي تقدمها المنظمات لا تناسب مقاسه، ما يضطر والدته إلى حمله يوميًا إلى دورة المياه، تجلسه أحيانًا أمام الخيمة ليراقب الأطفال وهم يلعبون، فتزداد حالته النفسية سوءًا.
ورغم كل هذه الصعوبات، لا تطلب حورية الكثير، وتقول لا أريد مالًا، ولا خيمة جديدة، أريد فقط من يساعد طفلي بجلسات علاج بسيطة أنا ووالده مريضان، ولا نعرف كم من الوقت سنبقى معه. نخشى أن نرحل ونتركه دون من يرعاه”.
بين جدران الخيمة، وتحت سقف الحاجة، يبقى عبد الرحمن وحيدًا في معركته مع الإعاقة، ترافقه والدته، وتؤنسه أحلام صغيرة يرسمها على الورق على أمل أن يأتي يوم يتمكن فيه من الوقوف، ولو للحظة.
قصة عبد الرحمن واحدة من عشرات القصص في مخيمات النزوح، حيث يواجه الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة الإهمال بصمت، في ظل غياب الرعاية والدعم وغياب من يُنصت إلى صوت أمهاتهم.